ميار عبد الراضي تكتب.. «بين القوة والهشاشة».. رسالة إلى الفتاة التي تبحث عن ذاتها
هل نظرتِ إلى المرآة يومًا؟.. توقفي للحظة، أزيلي ضجيج العالم من حولكِ، وامنحي نفسكِ فرصة للتأمل… انظري إلى عينيكِ في المرآة، ليس إلى ملامح وجهكِ أو إلى الألوان التي تزينه، بل إلى أعماقكِ… هل ترين فتاة سعيدة؟ هل تشعرين بالرضا عن ذاتكِ بعيدًا عن الأضواء والعدسات والتعليقات التي تنهال على منشوراتكِ؟
في السنوات الأخيرة، ظهرت تغيرات ملحوظة في سلوك الفتيات، خاصة في طريقة اللباس، الحديث، وحتى أسلوب الرقص والتفاعل الاجتماعي… لم يعد من الغريب أن نجد فتيات يتحدثن بلهجة ذكورية، يرتدين ملابس فضفاضة أقرب إلى ستايل الشباب، ويؤدين حركات كانت حكرًا على الرجال.
الظاهرة واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على تيك توك، حيث انتشرت مقاطع لفتيات يتحدين الصورة التقليدية للأنوثة. فهل نحن أمام مجرد “ترند” عابر، أم أن هناك تحولات أعمق في الهوية النسائية؟
حين يضيع الطريق بين الحرية والتقليد
في عالم يمضي بسرعة، يهمس في أذنكِ كل يوم أن عليكِ أن تكوني “قوية”، “جريئة”، “متمردة”، قد تجدين نفسكِ وسط زحام التيارات والصيحات، تحاولين إثبات ذاتكِ، لكن بأي ثمن؟ هل القوة تعني أن تكوني نسخة مستنسخة من غيركِ؟ هل التمرد هو أن تتخلي عن هويتكِ لتصبحي مقبولة في عالم رقمي زائل؟
إن الفتاة التي تُظهر للناس قوة مصطنعة قد تكون في الواقع أضعف من الجميع، لأنها لا تثق بنفسها بما يكفي لتكون على طبيعتها. أما التي تسير بثبات، دون أن تحتاج إلى إثبات شيء لأحد، فهي الأقوى، لأنها تعرف قيمتها الحقيقية.
حين تصبح الحرية قيدًا
أنتِ ترقصين أمام الكاميرا، تتحدثين بأسلوب قد لا يشبهكِ، ترتدين ما يجعلكِ “مواكبة للموضة”، لكن هل فكرتِ في اليوم التالي؟ ماذا سيحدث عندما تنطفئ الأضواء؟ ماذا لو تم استغلال صورتكِ بشكل خاطئ؟ ماذا لو كنتِ أنتِ الفتاة التي تقرأ في الأخبار أن اسمها أصبح في قائمة الموقوفات بسبب تصرفاتها على السوشيال ميديا؟
هناك فتيات انتهى بهن المطاف في السجون بسبب محتوى لم يدركن خطورته، بسبب لحظة تهور أمام عدسة هاتف. أين كانت الأسرة؟ أين كان الوعي؟ أين كان الإدراك بأن هذه الخطوات قد تكون طريقًا بلا عودة؟
حين يكون غياب الأسرة هو البداية
نحن لا نولد هكذا، بل نكبر في بيئة تصقلنا. وحين يغيب دور الأسرة، حين يصبح الأب مشغولًا والأم غارقة في ضغوطها، تبحث الفتاة عن بديل، عن هوية، عن مكان تجد فيه الاهتمام والاحتواء. فتظن أن هذه المنصات تقدم لها ذلك، لكنها لا تدرك أنها قد تكون فخًا، سجنًا غير مرئي يقيدها في صورة ليست صورتها الحقيقية.
التفكك الأسري، غياب الحوار، ضعف الرقابة، كلها عوامل تجعل الفتاة عرضة للانجراف وراء مظاهر خادعة، لكنها لا تملأ الفراغ الذي تشعر به.
حين تقفين أمام نفسكِ
تخيلي لو أنكِ اليوم قررتِ تغيير ملابسكِ، أزلتِ المبالغة في المكياج، عدتِ إلى البساطة، التزمتِ بصفات البنت الراقية في أسلوبكِ وحديثكِ وحركاتكِ، كيف ستشعرين؟ لو أنكِ التقيتِ بنفسكِ لكن في صورة أكثر اعتدالًا، ماذا سيكون إحساسكِ؟
تأملي فتاة أخرى في الشارع، فتاة محتشمة، لا أقصد فقط تلك التي ترتدي الحجاب، بل حتى التي اختارت البساطة في مظهرها، دون ضجيج أو استعراض، كيف ستراها؟ هل ستشعرين بأنكِ بحاجة إلى كل تلك المبالغة حتى يراكِ الناس، أم أن جمال الهدوء والاتزان أقوى؟
الحشمة ليست مجرد ملابس، إنها إحساس داخلي بالأمان والاتزان. ليست قيدًا، بل حماية. ليست ضعفًا، بل احترام للنفس. ليست حرمانًا، بل اختيار لمن تريدين أن تكوني عليه فعلًا، لا لمن يريد العالم أن يحولكِ إليه.
أي صورة تودين أن تريها لنفسكِ؟
عزيزتي، حين تنظرين إلى المرآة غدًا، قبل أن تضعي مساحيق التجميل، قبل أن تضبطي الكاميرا لالتقاط فيديو جديد، اسألي نفسكِ: أي صورة أريد أن أراها؟ أي فتاة أريد أن أكون؟ هل أريد أن أكون نسخة من غيري، أم أن أكون أنا؟
القوة ليست في اتباع الآخرين، بل في أن تعرفي نفسكِ، وتحترميها، وتختاري الطريق الذي يجعلكِ فخورة بنفسكِ، سواء كنتِ وحدكِ في غرفتكِ، أو بين مئات الأشخاص في الشارع. فاختاري بحكمة… لأنكِ تستحقين الأفضل.